مدارس تكريت المسيحية … في مطاوي عهود الاشراق السرياني

ابراهيم فاضل الناصري

(اتحاد المؤرخين العرب)

في مطاوي عهود الاشراق السرياني في بلاد ما بين النهرين ذات المدنية الازلية وفي اجواء عبقة من رحيق البشارة المسيحية وبين احضان العناية الحضارية للامة السريانية ذات الالق الحضري الوهاج في دنيا الانسانية برزت في الوجود الحضري لمدينة تكريت النهرينية التي كانت تعد في تلكم الاوقات الزاهرة مقرا للمفريانية السريانية الشرقية تجربة تأسيس المدارس والمعاهد الدينية الملية والمعرفية التي اريد منها وبها إعداد ملاك التبشير والهداية المسيحية من خلال تنشئة واعداد الرهبان والقسسة والشمامسة.

سيما وان المدرسة ككيان ومنشأة انما هي مؤسسة علمية عقلية ذات غايات تعليمية لأفراد يشتركون بالرغبة في فقه العلوم ودراسة اسسها العلمية وفهمها واستيعابها ولقد ظهرت هذه المدرسة خلال ازمنة متقدمة من اعمار مدائن قديمة. ثم ما لبثت ان شاعت ظاهرة قيامها في المدن الرافدينية بوقت مبكر. حيث شاد جدودنا دعائم المدرسة ثم جدوا في اعلاء منازلها في عقول الناس كما وعنوا فيها حق العناية.

لقد كانت منشأة المعرفة والعلم التي مثلتها المدارس ودور العلم في ارض بلاد ما بين النهرين في معظمها ذات مستوى تكميلي، وهي تعنى بدراسة الفلسفة واللاهوت واللغات السريانية واليونانية والفلسفة والحكمة والحساب والطب والفلك وكانت الدراسة الأولية التي تتقدمها انما تقوم في الاديرة والصوامع

وبما ان تكريت حاضرة نهرينية عتيقة كان قد عاصر تمكينها المدني نشوء مبتدع المدارس وتداول شأنه لمتطلبات المدنية والوجود فلقد حتمت الاقدار عليها بصفتها من مراكز الفكر والثقافة ان تتعاطى تجربة قيام المدارس في حياضها وان تؤسس لحالتها مدارس خاصة بها تعنى وتهتم بتخريج واعداد الرجال الذين يداومون في تعاطيها مع العلوم. وهكذا كان الامر وتحقق اذ ماهي الا دورات لدولاب الزمان وطيات لمطاوي العصور حتى برزت في وجود تكريت وبين احضانها مدارسها الخاصة التي استطاعت في مدة وجيزة ان تطاول المنال وتدرك الكمال وكانت لها افضالها في ولادة أجيال علماء على يد من درس فيها من كبار حكماء ممن تبسطوا في الأقطار وفخرت في ذكرهم الاخبار. اذ شاد التكارتة القدماء المدارس ورفعوا قبابها ثم جدوا في تطورها نظاما ومنهجا حتى بات لتلك المدارس ذكر جميل في صفحات التاريخ وأثر خالد في ميدان التراث غير ان المؤلم ان من وثق لتاريخ لمدارس في العراق كان قد غاب عنه او سقط منه مدارس تكريت التي أعني فصار يذكر الكثير دون ان يعرج الى مدرسة واحدة من مدارس تكريت ولعل وراء ذلك انما هو الجهل بها او الالتباس مع غيرها. 

لقد كانت هذه المراكز منارات علم ومعرفة، تخرج منها عدد كبير من المترجمين والاطباء والفلاسفة والمهندسين والمناطقة وعلماء اللاهوت، ولقد أزهر وجودها الحيوي في تكريت أيام كونها احدى المراكز الثقافية وكانت كثر بيد ان من التي حفظ لنا التاريخ ذكرها وخبرها سواء منها التي في داخل المدينة او في خارجها ونذكر منها هنا:

مدرسة اوينة: وهي مدرسة علمية اقيمت واعتمدت لتدريس علوم الأوائل الحكمية. قامت منذ القرون الميلادية الأول في قرية اوانا او اوينة من ضواحي تكريت الجنوبية – مقاطعة الطيرهان. اقامها أحد حكماء هذه القرية الفضلاء فتولى التدريس فيها حكماء وتخرج من تحت قبتها علماء من بينهم مار سبريشوع مؤسس دير بيث قوقا. وتسمى أطلالها اليوم بتل قبر العروس الواقع في جنوبي العوجة وموضعها اليوم هو جزء من ناحية (عوينات) التي جاءت تسميتها نسبة إلى (اوينة).

مدرسة جبلتا: وهي المدرسة المعرفية واللاهوتية التي عرفت باسم مدرسة جبيلتا نسبة الى اسم قرية جبلتا التي قامت فيها من ضواحي تكريت الشرقية. ولقد أنشأها الحكيم القديس باباي الجبلتي وهو من أبناء هذه القرية ولقد قام على التدريس فيها اراخنة حكماء فخرّجت العلماء تلو العلماء وتسمى خرائبها اليوم (تل السوق) في شرقي تكريت.

مدرسة دير العذارى: وهي مدرسة معرفية ولاهوتية اقيمت كملحق تعليمي تابع لدير الراهبات أو دير العذارى (بيت ابري) الذي كان يعد من منشآت الضاحية الشمالية لتكريت. ولقد كانت هذه المدرسة من مدارس الأديرة. وان أطلالها عندي لا تعدو الا أن تكون موقع الخمس أصابع عند المسبح الاولمبي.

مدرسة يحيى بن عدي: وهي المدرسة الفلسفية اللاهوتية التي وضع حجر اساسها بين حنايا مدينة تكريت ابنها البار الارخن الحكيم ذا الفكر الفيلسوف العتيد والمنطقي السديد التكريتي يحيى بن عدي بن حميد الذي جاء عنه في كتب الحكماء والعلماء انه من الفلاسفة المناطقة ومن علماء اللاهوتية الافذاذ الذين تباهى بهم دهرهم وفخر، والذي اليه انتهت رئاسة اهل المنطق ومعرفة علوم الحكمة في زمانه ثم عندما انتقل الى بغداد حيث ينتظره مجد الرقي في العلوم والمعارف تابع نشاطها الرسالي عن بعد ولم ينقطع عنها.

مدارس باباي الجبيلتي : لم يكتفي التكارتة في بناء المدارس في داخل مدينتهم  بل صاروا أينما يحلون في توطنهم يقيمون مدرسة او دار علم ولعل المدارس التي أقامها الحكيم باباي الجبيلتي التكريتي لهي خير لمثال على ما بناه العلماء التكارتة من مدارس خارج وطنهم الام حيث ذكرت له احدى المضان المدارس التالية التي بناها هذا الارخن السديد: سفسفا ، باشوش، دير برصيل،  في جبل كارا ، دير شاميرا ، دير قوري ، اقرا ، حردس ، شلمث ، بيت ادري ، حطرا، مقبتا، نيرم دراعا واثا ، قوب، وادي برزي ، كوبي، دير مار افرام، دير مار احا، متياقريري، بيت آسا، بيت ساطي، بيت قرداغ، حنس، بيت رستاق، بيت نرقوس، بيت ترمشابي وغيرها حيث انها قد جاء عنها كونها ستون.

مدرسة مارن عمه الحطاري: وهي المدرسة الدينية التي تشتمل على قسم للموسيقى التي اسسها العالم اللاهوتي السرياني مارن عمه في بلدته هطره (حطرا) في الساحل الشرقي لتكريت من اسفلها. والتي استمرت في رسالتها العلمية بعد هجرة مؤسسها الى بلاد حدياب وتسنمه هناك رئاسة مدرسة كفر عوزيل التي كانت تقوم فيها.

المصادر والمراجع

  1. كتاب الرؤساء. توما اسقف المرج المشهور بالمرجي. ترجمة وتحقيق البير ابونا. بغداد،1990م
  2. أصول الثقافة السريانية في بلاد الرافدين. فؤاد قزانجي. دار دجلة. بغداد2010م
  3. تكريت حاضرة الكنيسة السريانية. سهيل قاشا.بيروت 1994م
  4. اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية. اغناطيوس فرام الأول برصوم. حلب 1996
  5. كتاب الزهرة الذكية. القس اسحق ارملة. مطبعة الاجتهاد، بيروت 1909م
  6. مدارس العراق قبل الإسلام. روفائيل بابو اسحق. بغداد، 1955م.
  7. السريان أعمدة الحضارة. جورج رحمة وسهيل قاشا. دار سائر المشرق، 2018م
  8. ثقافة السريان في القرون الوسطى. نينا بيغو ليفيكايا. ترجمة خلف الجراد. موسكو، 1979م
  9. عصر السريان الذهبي. الفيكونت فيليب دي طرازي. سوريا. حلب 1979م
  10. الآداب السريانية. اعلام السريان. العصور الأولى. الجزء الأول . بيروت 1969م
  11. ارام تكريت. إبراهيم فاضل الناصري. دار المشرق. دهوك.
  12. تكريت في التاريخ ، بولس بهنام ، مجلة المشرق السريانية. العدد 16، لسنة 1946م
  13. آشور المسيحية. جان فييه . مراجعة يوسف توما.ترجمة نافع توسا .  ج3. بغداد،2013م
  14. تاريخ نصارى العراق. بابو اسحق روفائيل ، 2008م.
  15. صفحات من التاريخ-تكريت، سهيل قاشا، المجلة البطريركية، الاعداد  72 و73 و 74 لسنة 1970م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap