أ.د. إبراهيم خليل العلاف / أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
في يوم 27 من أيلول سنة 2013، أهداني الأخ والصديق الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك، له الرحمة والمغفرة، كتابه الجديد، لا بل هو آخر مؤلفاته، أصدره قبل وفاته، وكنت فرِحًا بهذا الكتاب الموسوم (معجم المؤلفين السريان). والكتاب يقع في (421) صفحة من القطع الوزيري، ووجدته مرجعًا مهمًّا من المراجع التي نعتمد عليها عند حاجتنا إلى العودة إلى ما قدمه الكُتّاب السريان من إنتاج فكري.
ولست مضطرًّا إلى أن أقول إن المؤلف كان حُجّة في موضوعه، فهو باحث وأديب ومؤرخ ومعجميّ دؤوب سبق له أن أصدر عن طريق مؤسسة بيت الحكمة سنة 2000م معجمه الجميل (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 2000-1970) بثمانية مجلدات. وكان ذلك المعجم مكملًّا لمعجم المؤلفين العراقيين الذي أصدره المرحوم الأستاذ كوركيس عواد.
و(معجم المؤلفين السريان)، للأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك صدر عن المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية بوزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان العراق ضمن سلسلة الثقافة السريانية بالرقم (32) في اربيل سنة 2013. وقد حرص على أن يكون هذا المعجم في متناول الجميع.
في مقدمة هذا المعجم تحدَّث، وهو المعجمي والمفهرس الكبير، عن علاقته بالأستاذ كوركيس عواد، العلامة المعجمي الكبير، وقال إنه ارتبط به بعلاقة متينة عندما كان يدرس في بغداد سنة 1968، وتلك العلاقة كان لها أثرها في توجهه المعجمي، حيث كان كثير التردد عليه سواء أكان ذلك في مكتبه في مكتبة الجامعة المستنصرية أم في داره، فتعلم منه أهمية الببليوغرافيا أو الفهرسة، وقد اطلعه الأستاذ كوركيس عواد على جهود المستشرقين والكتاب الغربيين في مجال الفهرسة، وكيف أن الفهرسة تُعدّ من علامات النهوض الحضاري. وقد تزامن ذلك مع نشره للكتاب الذي استمر في تأليفه ثلاثين عامًا، وهو (معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين). وقال الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك إن ذلك الكتاب كان بالنسبة إليه نافذة للاطلاع على تآليف السريان من العراقيين لا سيما أن الرجل سرياني تربطه علاقة متينة مع الكثير ممن عاصرهم، ومطلّعًا على آثارهم ونتاجاتهم وقد تابع التأليف العراقي منذ بواكيره حتى سنة 1968.
والشيء الجميل هو أن المرحوم الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك، وهو نشط ودؤوب في مجال التأليف، عكف على تأليف (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 2000-1970) قرابة ربع قرن. ومن الطريف أنه اشتغل في تأليف (معجم المؤلفين السريان) قبل أن يكمل (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 2000-1970).
مما يؤكده المؤلف أن الحديث عن السريان في العراق، تاريخهم وثقافتهم، حديث طويل، فإسهاماتهم كبيرة، وأياديهم على الحضارة والثقافة في العراق بيضاء ذلك أنهم قدموا الكثير الكثير في شتّى أنواع المعرفة وحقول الإبداع، وهذا مما يتطلب توثيقه وإظهاره للناس وقد ندب نفسه لهذا الهدف النبيل.
أعتقد أن لا أحد يعدّ نفسه مثقفًا في العراق والوطن العربي والعالم يستطيع أن يستغني عن هذا المعجم (معجم المؤلفين السريان)، فالباحث والمؤرخ والكاتب، والمهتم، والمثقف عمومًا، يحتاجه ويعود إليه ويفيد منه، فالكتاب يرصد ويتتبع كل الآثار المطبوعة للسريان من كتب ورسائل وأطروحات وكراريس ونشريات مكتوبة باللغة العربية أو بغير اللغة العربية من لغات الشرق والغرب للسريان العراقيين ومعهم الأرمن منذ ظهور الطباعة بالعربية ويحددها البحث بالسنة 1800، ويقول إن طلائع النهوض الحديث ابتدأت بتلك السنة تقريبًا، وقدم السريان والمسيحيون عمومًا الكثير في مجالات وميادين الثقافة والفكر والفن وساعدهم على ذلك إدراكهم أهمية ودور (المطبعة)، فهم من أسس مطبعة الآباء الدومنيكان في الموصل، وهم من أسّس مطبعة النجم وهم من أسّس المطبعة الكلدانية، وهم من أصدر الصحف والمجلات ومنها مجلة (إكليل الورود) في الموصل سنة 1902، وهم من أقام المجالس والصالونات الثقافية، ومنها مجلس الأب العلامة أنستاس الكرملي، ومجلس المطران سليمان صائغ، وهم من ألّفوا القصص والمسرحيات والكتب الدينية. واستميح القارئ عذرًا لأنوه هنا بما اصدره الاستاذ عصام محمد محمود الموظف في المكتبة العامة في الموصل وأقصد كتابه (مطبوعات الموصل منذ سنة 1861-1970) وطبع في مطبعة الجمهور في الموصل سنة 1971 وفيه وقف عند الطباعة في الموصل والتي ابتدأت سنة 1858 باقتراح من الأب بيصون وإجازة البابا بندكتس الرابع عشر وكانت مطبعة بدائية حجرية إلى غاية سنة 1863 ثم اشتُرِيَت مطبعة حديثة سنة 1860 وكانت تحوي على حروف بالفرنسية والعربية والكلدانية والسريانية .ثم أسس الشماس روفائيل مازجي مطبعة باسم مطبعة الكلدان سنة 1863 في الموصل وهكذا ابتدأت الطباعة.
أعود الى كتاب (معجم المؤلفين السريان) لأقول إن المؤلف وضع أسلوبًا لإعداد معجمه يقوم على أساس ذكر اسم المؤلف السرياني وصفته الدينية أو المهنية ومكان ولادته وسنتها ومكان وفاته وعناوين المؤلفات مرتبة حسب السياقات الهجائية وعدد أجزاء الكتاب، وعدد طبعاته، واسم المطبعة ومكان الطبع وسنته وعدد صفحات الكتاب وبيان نوع التأليف: تأليف أم ترجمة أم تحقيق، ولغة التأليف وهيئة التأليف مفرد أو مشترك.
وقد عاد إلى مصادر كثيرة منها كتاب الأستاذ بهنام سليم حبابه (الآباء الدومنيكان في الموصل: أخبارهم وخدماتهم 2005-1750) الذي طبع في أربيل سنة 2006، وكتاب (شخصيات موصلية) للدكتور إبراهيم خليل العلاف وطبع في الموصل سنة 2008، وكتاب الأستاذ بهنام فضيل عفاص (تاريخ الطباعة والمطبوعات العراقية) وطبع ببغداد سنة 1985، و(موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين) للأستاذ الدكتور عمر الطالب وصدرت في الموصل سنة 2007، وكتاب (دليل كتاب كركوك وإصداراتهم المطبوعة) للأستاذ صباح البازركان وطبع في كركوك سنة 2010، وكتاب الأستاذ مير بصري (أعلام الأدب في العراق الحديث) وطبع في لندن 1990، وكتاب أ.نزار حنا الديراني (أضواء على الأدب السرياني وجذوره) وطبع ببغداد 2007، وكتاب المطران صليبا شمعون (تاريخ أبرشية الموصل السريانية) وطبع ببغداد سنة 1984 وكتب أخرى.
الدكتور سعدي المالح قدم لكتاب الاستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك (معجم المؤلفين السريان) وقال : «إن الكتاب يضم، بين دفتيه، جهدًا طيبًا بذله المؤلف في جمع وإعداد وترتيب ما تيسّر لديه من مؤلفين سريان ومسيحيين في العراق المعاصر، وهو جهد يتسم بالمثابرة والرصانة وطول أناة من أكاديمي متخصص بالتاريخ الثقافي والببليوغرافيا». وقد أشاد الدكتور المالح بجهود الأخ الأستاذ إدمون لاسو وهو من راجع الكتاب وصحّح بعض الأسماء والتواريخ وأضاف بعض المؤلفات المذكورة إلى مؤلفيها وهو جهد مشكور. ومع هذا نجد هناك هنات واخطاء من قبيل ورود أسماء لمؤلفين مسلمين معروفين منهم على سبيل المثال زميلي في كلية التربية بجامعة الموصل الاستاذ الدكتور لؤي جميل رشان وكان رئيسًا لقسم علوم الحياة وأنا كنت رئيسًا لقسم التاريخ بكلية التربية– جامعة الموصل 1995-1980.
أقول هناك كم كبير وكبير جدًا من المؤلفين السريان من العراقيين، قدّموا عصارة جهدهم وأصدروا كتبهم ونتاجهم العلمي والفكري والفني والثقافي في كافة ميادين الحياة والتخصصات، والأسماء كما قلت مرتبة حسب الحروف الهجائية والعمل هذا كبير جدًا ومفيد جدًا وقيِّم جدًا.
بقي أن اقف قليلًا لأتحدث عن المؤلف الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك، رحمة الله عليه، فأقول كاتب وموثق ومفهرس عراقي من أهل الحلة– محافظة بابل، عمل أُستاذًا لمادة الأدب العربي في قسم اللغة العربية بكلية التربية الأساسية في جامعة بابل وله عدد كبير من المؤلفات تزيد عن الـ(32) كتابًا في تخصصه الأدبي وحول مدينة الحلة والدراسات الفلكلورية والمعاجم والببليوغرافيات. وقد كتبت عنه أكثر من مرة وغالبًا ما كان يرسل إلي كتبه الجديدة وأكتب عنها، كما زارني في مكتبي بمركز الدراسات التركية– الإقليمية بجامعة الموصل حين كنت مديره، ومرة كتبت عنه وقلت : « إن الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك شيخ المفهرسين العراقيين من مواليد مدينة الحلة الفيحاء بالعراق سنة 1951 يذكر أن حصل على الشهادة الجامعية سنة 1972م في اللغة العربية ثم حصل على شهادة الماجستير سنة 1985 من جامعة أنقره ثم شهادة الدكتوراه سنة 1989 من الجامعة ذاتها وحصل على مرتبة الأستاذية سنة 2009 في الأدب المقارن، مفهرس مرتبته العلمية أستاذ.عمل مديرا لمركز وثائق ودراسات الحلة– جامعة بابل، أستاذ مادة البحث الأدبي وتحقيق النصوص– جامعة بابل، رئيس جمعية الرواد الثقافية في محافظة بابل. وله مؤلفات عديدة أبرزها: «معجم الكتاب والمؤلفين» بثمانية مجلدات وكتاب «تكملة شعراء الحلة أو البابليات»بثلاثة أجزاء وكتاب «منهج البحث وتحقيق النصوص ونشرها» و»مكتبة السياب» و»جميل بن معمر» و»حليات»و»النهضة الفكرية في الحلة» و»لمحة عن ماضي مدينة الحلة وحاضرها « و»محمد باقر الحلي سيرته وشعره» و »مؤلفات الحليين المطبوعة».
توفي في حادث مروري في 16 كانون الثاني سنة 2014 وكانت وفاته تعد خسارة لعالم الفهرسة والببليوغرافيا في العراق المعاصر.
المحرر: يُذكر أن الأسبوع الثقافي السرياني السادس الذي أقامته المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في بغديدا، حينما أعلنتها عاصمة الثقافة السريانية لعام 2013، قد شهد في اليوم الخامس والختامي إقامة حفل للاحتفاء بتوقيع كتابين، الأول (معجم المؤلفين السريان) للدكتور صباح نوري المرزوك، والثاني رواية (عمكا) للدكتور سعدي المالح، مساء يوم الجمعة الموافق 27أيلول على حدائق مركز السريان للثقافة والفنون.
وخلال جلسة التوقيع التي أدارها القاص والروائي هيثم بهنام بردى، قال عن (معجم المؤلفين السريان): “كتاب جديد، نحتفي به اليوم والذي تفتقده رفوف المكتبة العراقية، وقد دوّن فيه المؤلف كل شاردة وواردة بعد بحثٍ مضنٍ وعسير في طوايا الكتب والدوريات والصحف وحتى المخطوطات”. مضيفًا: هذا المعجم عن المؤلفين السريان والذي جاء بــ(423) صفحة من القطع الكبير، يمكن اعتباره منارًا أبجديًا يجد فيه الضال دربًا للأمان ويروي ظمأ العطش إلى المعلومة الدقيقة.
فيما أشار الدكتور صباح المرزوك إلى مراحل إنجازه هذا الكتاب مشيداً بالأعلام السريان الذين لهم أيادٍ بيضاء على الحضارة، فرسموا بالكلمات آلاف الأوراق في شتى أنواع المعرفة وحقول الإبداع. مؤكدًا أنه قد أخذ على عاتقه مسؤولية تكملة مشروع (شيخ المفهرسين) كوركيس عواد بعد وفاته.
فيما أشار الدكتور سعدي المالح مدير عام المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في حينه، الجهة الناشرة للكتاب، إلى أنه يضم بين دفتيه جهدًا طيبًا وهامًّا بذله المؤلف في جمع وإعداد وترتيب ما تيسر له من مؤلفين سريان ومسيحيين في العراق المعاصر، وهو جهد يتسم بالمثابرة والرصانة وطول أناة من أكاديمي متخصص بالتاريخ الثقافي والببلوغرافيا.