تاريخ كنيسة مار إبراهيم في قرية (بلنكر) بهوديان

د. بروين بدري توفيق

دكتوراه في تاريخ أديرة وكنائس شمال النهرين

بعد أربيل وطريق حرير وراوندوز، عندما نتجه من رواندوز إلى جهة قرية مركه سور، وقبل وصولنا إلى قرية هوديان، نأخذ الجهة اليسرى من الطريق ونتوجه إلى قرية صغيرة تسمى (بلنكر). في وسط القرية نرى تلة مرتفعة تغطيها أشجار ضخمة، وهناك سور في داخله آثار دير قديم، بقايا جدران على ارتفاع يقارب مترًا واحدًا، وهي آثار دير مار إبراهيم، وقرب هذه الآثار شجرة بلوط ضخمة جدًا قطر جذعها قرابة المترين، مما يدل على أنها معمرة، وقد وضعنا مخطّطًا لبقايا الأساسات والجدران عند زيارتنا لها في 2014م. ندخل الكنيسة من بابٍ في جهتها الغربية، وتوجد مقبرة حول هذه الآثار المتبقية للكنيسة وهي مقبرة حديثة، ومن تلك البقايا وجدنا أن سمك الجدران قرابة 1م، وهي مبنية من حجر وجص. ندخل من جهة الغرب إلى قاعة، ومن القاعة الأولى يظهر أنه قد كان للقاعة الثانية بابان، والقاعة الثانية هي قاعة الكنيسة التي يكون شرقها المذبح، ولكن لم نجد أي بقايا لغرفة المذبح سوى صخور وجوارها للجنوب بقايا غرفة العماد وهي صخور متهدمة أيضًا. فالكنيسة إذن متكونة من قاعتين وغرفة المذبح وغرفة العماد، وترى في أسفل الجدران بقايا بوابات كانت بين هاتين القاعتين ونرى أيضًا آثار روازين ويظهر أن أعلى البوابات كان معقودًا من الأعلى، وقد وضع زوار هذه الكنيسة قاعدة منضدة من حديد لوضع الشموع والنذور عليها، وهذا كل ما تبقى من الكنيسة.

تحديد تاريخ الكنيسة

لم نجد أي مصدر مختص بتاريخ الكنائس يذكر هذه الكنيسة، مع أنها كنيسة قديمة جدًا، ولم نعرف تاريخ بنائها ولا اسم مؤسسها، وكان المصدر الوحيد الذي ذكرها هو (رحلات الأنبا شموئيل) التبشيرية أواخر القرن التاسع عشر ([1]) تحديدًا في عام 1885م إذ بعد زيارته لقرى وكنائس شقلاوة وحرير وديانا وصل رواندوز، ويذكر أنه اتجه إلى قرية بالك وقرية هوديان، أي لم يكن اسمها (بلنكر) بعد، ويذكر أنها قرية كانت للمسيحيين النساطرة ثم هجروها وأنه شاهد خرائب كنيسة مبنية على اسم (مار أوراهام) أمام الجبل غرب القرية، وكان هدف زيارة الأنبا شموئيل لهذه القرى هو تحويلها للكثلكة، ويتجه بعدها إلى مناطق شيروانا، ويدخل منطقة برادوست ويذكر أنه وصل نهرًا يدعى (براز  كر/ بهكرت) وفيها قلعة (أي قرية بهكرت). هذه المعلومات التي وجدناها عن هذه الكنيسة تدل أنها كنيسة نسطورية([2]).

بدأنا بحثنا عن تاريخ المنطقة المسيحي وبدايات المسيحية فيها والأسقفيات التي كانت فيها، وبدأنا بتاريخ هوديان التي كان اسمها القديم (حفتون)، حفتون هذه حسب ما ذكر إيشوع دناح في كتابه العفة (صفحة 153، بغداد 2006) أنها أسفل بيت بغاش أي أسفل قرية بخشاش الآن.

أما فيي في كتابه آشور المسيحية (ج1صفحة 15، بغداد 2011) فيذكر أن حفتون شمال حدياب سلاخ أعلى منطقة شقلاوة وحرير.

وكذلك توما المرجي([3]) في الرؤساء من القرن التاسع الميلادي، ويسمي ساكنيها (بني حفتون)، يصف حفتون أنها أبرشية تتبع حدياب وهي شمال سلاخ أي شمال شقلاوة وحرير، فهي أبرشية منطقة كنيسة مار إبراهيم في رواندوز، وتذكر من القرن السادس الميلادي. وفي القرن السادس عشر وصف كتاب الشرفنامة للبدليسي، وهو مؤرخ كوردي، أن هوديان هي خفتيان وهفتيان أي حفتون قديمًا.

ووفق هذه المصادر تم تحديد موقع حفتون([4]) أنها قرية هوديان الآن وفيها كهف وهي قرب دير مار إبراهيم في بلنكر حاليًّا.

والمصدر الأقدم الذي ذكر حفتون هو كتاب (سير شهداء المشرق)([5])  في سيرة مار قرداغ، أنه في حفتون سكن والدا مار قرداغ وكان جوار دارهم معبد للنار وعند دخول مار قرداغ المسيحية حوّل معبد النار إلى كنيسة باسمه (أي كنيسة مار قرداغ) ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي. ومن الأسقفيات القديمة في المنطقة هناك أسقفية (بيث بغاش)، وهي أسقفية تتبع أبريشة حدياب ومن قرية بيث بغاش، والتي وجدنا أن اسمها الآن قرية بخشاش في مركه سور شمال هوديان، كان من هذه القرية في القرن الرابع الميلادي الناسك عبد يشوع الذي صار مار قرداغ مسيحيًّا على يديه، وكما ورد في سير شهداء المشرق، سيرة قرداغ، أن مار قرداغ كان يذهب عنده في صومعته في (بغاش)، وكانت في أسفل الجبل كنيسة يجتمعون فيها للصلاة، في القرن الرابع الميلادي.

إن هذه المعلومات لتعيين المواقع المسيحية المهمة في هوديان وصولًا إلى مركه سور، وفيها كنيسة مار قرداغ في هوديان (ق4م) وهو الذي بناها وعلى اسمه، وكنيسة (بغاش) لمار عبد يشوع وهي أيضًا من القرن الرابع الميلادي، والآن تسمى قرية بخشاش/ شمال هوديان. وهناك مواقع أخرى مهمة في المنطقة ذكرها توما المرجي شمال هوديان وهي قرية شيروان التي فيها ولد توما المرجي وهي قرية أجداده([6]) إذ يذكر أنها من القرن الثامن الميلادي، كان أباه يعقوب من بيت شاروناني وفي قريته سنديانة يعبدها الوثنيون من القرن السادس الميلادي زمن الأسقف إيشوع زخا الذي جاء إلى المنطقة وأزال الوثنية، وفيها قرية صغيرة تسمى نحثون كانت فيها كنيسة مزينة (أي أن هناك كنيسة أخرى) في منطقة شيروان مزن، ومن الأسقفيات المهمة أيضًا في المنطقة هي (بيا) وفيها كنيسة أيضًا ومدفن أساقفة قرية (بيا)([7]).

 وقد زرنا هذه القرية شمال هوديان ومازالت تسمى (بيا) وقد وجدنا فيها مقبرة قديمة قرب تلة عالية، توجد أعلاها بقايا جدران سمكها 1م، وهي كنيسة بيا من القرن السادس الميلادي، وقد صورناها، وكان الصعود إليها صعبًا. وقرية بيا تقع بعد قرية بخشاش وفي طريق ذهابنا إلى قرية بيديال. وهناك قرية كاني بوت، وزراران وطريقهما صعب ووعر بين الجبال. ومن الأبريشات المهمة في هذه المنطقة وإلى الشمال، أي شمال مركه سور، أبرشية مهرقت والتي لم يعين موقعها وذكرها كتاب مشيحا زخا([8]) أنها من القرن الخامس الميلادي، إذ كانت زمن مجمع مار إسحق 410(م)، كما ذكر كرسي أساقفة (بيث بهرقت)، وحددنا موقعها مما ورد في رحلة الأنبا شموئيل، أنه اتجه إلى منطقة في شمال هوديان- برادوست تسمى (براز مهرقت)، من هذه المصادر استطعنا أن ندرس تاريخ المسيحية لهذه المنطقة ومواقع الكنائس القديمة في قراها ونكشف تاريخ كنيسة مار إبراهيم في قرية هوديان (بلنكر الآن)، وبعد أن تعرفنا من سيرة مار قرداغ أن منزل والديه كان في هوديان (حفتون) وأنه بنى كنيسة في حياته قبل استشهاده في  القرن الرابع الميلادي قرب دار والديه وسماها باسمه (كنيسة مار قرداغ) بعد أن أزال معبد النار.

وبما أننا لم نجد في هوديان غير كنيسة القرية القديمة، في بلنكر، أصبح اسمها (مار إبراهيم)، نستطيع أن نضع تاريخًا لأصل كنيسة مار إبراهيم أنها كانت في الأصل كنيسة مار قرداغ من القرن الرابع الميلادي، ومما يؤكد ذلك أنه في القرن السادس الميلادي عندما كان إيشوع زخا أسقف سلاخ أي أسقف منطقة حدودها من شقلاوة وماوران وحرير إلى شيروانا، كما ذكر ذلك توما المرجي، أنه جدّد كنيسة مار قرداغ في حفتون وإيشوع دناح يذكرها في كتابه العفة([9]).

ومن المؤكد أن هذا الدير بسبب القِدَم من بعد 300 سنة قد خرب، فجدّده إيشوع زخا (الأسقف) في القرن السابع الميلادي، أي أنه دير نسطوري، وبقيت أديرة هذه المنطقة (بغاش، وحفتون) يعيَّن عليها أساقفة من دير بيث عابي النسطوري في عقرة ومن الأساقفة كان طيمثاوس وعمه كوركيس([10]) والأسقف عبد يشوع ومار شمعون رئيس كنيسة (بيث بغاش) ومار نرساي([11]). ومن بعد القرنين (8-(م) لا نعرف مصير هذه الكنيسة وكيف أصبح اسمها مار إبراهيم، وبناؤها هو شبه الكنائس النسطورية في عقرة كنيسة من جناحين وغرفة المذبح وغرفة العماد، إلى أن زارها شموئيل جميل عام 1885م وذكر أنها كنيسة نسطورية لكنها خربة، ويظهر أن هذه المنطقة قد هجرها المسيحيون لذلك تركت الكنيسة وخربت لكنها بقت كنيسة مقدسة إلى الآن، ورغم بقايا آثارها القليلة فالمسيحيون يزورونها ويوقدون الشموع ويدفنون حولها. وقد بني لها سور لمنع التجاوز عليها([12]).

خلاصة القول: لقد كشفنا تاريخ كنيسة قديمة في منطقة رواندوز وهي كنيسة مار قرداغ من القرن الرابع الميلادي، وهي التي بناها مار قرداغ كما ذكرنا. وله كنيسة ثانية في أربيل والتي بنيت بعد استشهاده وأمام قصره في ملقى أو تل ملقى وهي منطقة كفر حزا ([13]) ولنا بحث آخر عن كشف موقعها بعد أن كشفنا موقع كفر حزا في الوثائق الكلدانية التي اعتمدنا عليها، ولم نجد أي باحث قد عين وكشف موقعها. وفي بحثنا هي منطقة قرب الزاب الكبير، الآن قرية (كوركوسك).

لم نجد في بحثنا عن تاريخ كنيسة مار إبراهيم أي مصدر يذكرها مثل الأب جان فيي في كتابه آشور المسيحية ولا كتاب ديارات العراق لألبير أبونا مع أنهم المصادر المهمة التي كتبت عن الأديرة.

المصادر

1  – ترجمها – الأنبا دنحا حنا توما – نينوى 2008م ص18-19.

2  – شموئيل ص19.

3  – توما المرجي: الرؤساء ص100 بغداد 1990.

4  – المصدر نفسه: ص 168.

5  – ألبير أبونا: سير شهداء المشرق ص206 بغداد 1985.

6  – المصدر نفسه: ص 168.

7  – توما ص113.

8  – مشيحا زخا: كرثولوجيا أربيل- أربيل 2001 ص181.

9  – إيشوع دناح البصري: الديورة في مملكة الفرس والعرب (العفة) بغداد 2006 ص 143.

10  – توما ص243.

11  – كانت علاقة كنائس هذه المنطقة مع أبريشة عقرة النسطورية وأن رهبانًا وأساقفة المنطقة كانوا من بيث عابي في القرن 8م. مار يوحنان أسقف المنطقة أي بغاش وهو رئيس دير عابي وعمه عنا يشوع، وربان شمعون الذي بنى كنيسة شرمن.

12  – توما ص113

13  – أبونا : ديارات العراق – بغداد 2006، ص264.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap