أ. د. عامر عبد الله الجميلي
مركز دراسات الموصل قسم الدراسات الأدبية والتوثيق جامعة الموصل/ العراق
راودتني هذه الفكرة قبل قرابة عشرة أعوام، يوم كنت أُعدّ لكتابي الموسوم (واسط في ضوء المصادر المسمارية – دراسة في الجغرافية التأريخية-)، الذي اضطلعت دار المشرق الثقافية في دهوك بطباعته عام 2014، وحينئذ وجدت في ثنايا النصوص الجغرافية المسمارية ومجموعة من إثباتات وقوائم البلدان في المصادر المسمارية كمًّا هائلًا من صيغ أسماء القرى والمدن ذات الأصل الآرامي التي تعود إلى الألف الأول ق.م. وكان الكاتب الآشوري أمينًا في نقلها وضبط صيغ أسمائها وتدوينها وفق صيغتها ووزنها الآرامي، في معرض ذكره وتخليده لحملات الملوك الآشوريين العسكرية التي شنّوها على العدو العيلامي وحلفائه -آنئذٍ- على الجبهتين الجنوبية والشرقية لبلاد الرافدين والتي اجتازت بطبيعة الحال بتلك المواضع الجغرافية، وتحديدًا على تخوم بلاد عيلام، حيث كانت تنتشر القرى ومضارب القبائل الآرامية التي كانت تقطن في بلاد بابل وشرق العراق، وكذا الأمر يصدق على القرى الآرامية في شمال العراق وعموم بلاد الشام والأجزاء الجنوبية من بلاد الأناضول وشمال الجزيرة العربية.
بمرور الأيام، اِزداد شغفي بهذا الموضوع، حتى إذا ما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي، تمكّنّا من كسر حاجز المكان. وهكذا تعرفت إلى شخصيات سريانية من باحثي شرقنا الأصيل، ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، الصديق الوفي السوري الأستاذ سليمان گوريّا (أبو زهير) من بلدة القامشلي وهو من سريان الخابور، وكان مقيمًا في ألمانيا منذ (30 عاماً)، حتى ودّعنا منذ فترة وجيزة راحلًا وتاركًا في نفوسنا غصّةً وألمًا عميقين. حينما فاتحته بالفكرة استحسنها وأثنى عليَّ وشكرني على حبّي لشرقنا الجميل وعلى اعتزازي بثقافتنا السريانية، ولكل ما يمتّ إليها وإلى تراثها الثّرّ بصلة. فكان أن قمنا حينها بعرض الفكرة على أصدقائنا من الباحثين السريان في داخل الوطن و كذلك الذين هم في المهجر والشتات، كما فاتحنا العديد من الباحثين السريان من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن وأمريكا الشمالية وأوربا وكندا وأستراليا، وانضمّ إلينا عدد مناسب منهم، فبدأنا في بلورة هذه الفكرة والشروع بالعمل عليها وصولًا إلى إنضاجها ووضعها على السكة لتخطو خطواتها في الطريق الصحيح والتي توّجت بتأسيس تلك المجموعة على موقع الفيس بوك تحت اسم (معجم بلدان السريان) بتاريخ 13 تشرين الأول 2019م.
وجرى تقسيم العمل ليكون برئاسة الدكتور عامر الجميلي وعضوية هيئة تحرير الموسوعة التي تشكلت من الذوات المدرجة أسماؤهم في أدناه:
1- الأستاذ سليمان گوريّا، من سوريا/ مقيم في ألمانيا/ نائب المدير.
2- د. يوسف جرجيس الطوني، من العراق/ مقيم في أستراليا/ مشرف.
3- د. محمد نزار الدباغ، من العراق/ مشرف.
4- د. أليان مسعد، من سوريا/ مشرف.
5- د. پيير حنّا إسكندر، من لبنان/ مشرف.
6- د. هنري بدروس كيفا، من لبنان/ مقيم في فرنسا/ مشرف.
7- د. جورج كيراز، من فلسطين/ مقيم في أمريكا/ مشرف.
8- الأستاذ نضال رستم، من سوريا/ مشرف.
9- الأستاذ سمير روهيم، من سوريا/ مشرف.
10- الأستاذ مرهف السلامي، من سوريا/ مشرف.
11- الأستاذ فائز زكّور، من سوريا/ مشرف.
12- الأستاذ بنيامين حداد، من العراق/ مشرف.
13- الأستاذ اسميران الصبيحات، من الأردن/ مشرف.
وبدأنا من يومها بتلقّي ونشر مواد موسوعية جغرافية بلدانية على تلك الصفحة، ويقوم أعضاء الصفحة من الهيئة العامة الذين بلغ عددهم حتى الآن 369 عضوًا بإثراء المنشورات بتعليقاتهم وتصويباتهم الغنية وصولًا إلى اكتمال صورة كل موضع وإشباعه ليستوفي حقه بالشكل المرضي عن طبيعة وشخصية كل موضع جغرافي.
وقد وضعنا خطة لهذه الموسوعة ومحاورها وفق عناصر منهج البحث المتبع والسائد والمتعارف عليه في تحرير أغلب الموسوعات الجغرافية ذات العلاقة فكانت على النحو الآتي:
هدف المشروع:
نظرًا لعدم وجود معجم جامع للمدن والقصبات والقرى والضياع والمواضع السريانية في العالم. هدفنا جمع أكبر وأشمل عدد من المواضع الجغرافية السريانية في معجم جغرافي جامع وفق منهج وخطة علمية محكمة ومحددة.
الأهمية :
لكي يكون هذا المعجم الجغرافي السرياني مُصنّفًا موحدًا وجامعًا لجميع المواضع ومرجعًا للباحثين في التراث الجغرافي واللغوي السرياني.
منهج التأليف والعمل على إعداد المعجم
- جمع ما يمكن جمعه من المواضع الجغرافية ومن كافة الأوعية والمستوعبات الثقافية سواء أكانت من كتب ومصادر سريانية وعربية جغرافية وتاريخية ولاهوتية ودينية وأدبية أم أطالس وأطاريح ومعاجم البلدان وكتب الرحالة والمستشرقين أو مؤلفات عن جغرافية المدن والأقاليم بذاتها أو رسائل جامعية أو رسائل دبلوم عالٍ أو أبحاث ومقالات في مدونات شخصية أو في مواقع عالمية معتمدة كموقع ويكيبيدياWikipedia العالمي فضلًا عن صفحات الفيس بوك للمجموعات المتخصصة أو من الصفحات الشخصية للأفراد المهتمين بالتراث السرياني ممن يمتلكون المعلومة العلمية المفيدة والخبرة العملية في جمع وطرح الموروث السرياني الجغرافي وممن لهم
كتابات في هذا المجال وحتى من الصحف ومن التعليقات في التطبيقات الإلكترونية بأنواعها.
كل تلك المصادر شكلت موردًا ومرجعًا لنا عن تلك البلدان والقرى، المندرسة والمندثرة منها أو العامرة إلى يومنا هذا مما احتفظت باسمها وأصلها السرياني على الرغم من استيطان أقوام غير سريانية فيها اليوم من: عرب، كُرد، شَبَك، أتراك، فرس، أرمن، شَركس ويهود.
2- وضع خطة ممنهجة وموحدة لإيراد المادة المتعلقة بالموضع الجغرافي على أن تتضمن أصل التسمية وعواملها واشتقاقها من جذور تتعلق بالطوبوغرافية أو الجيمورفولوجيا والهيدرولوجيا أو منشأ التسمية وارتباطها بالنبات أو الحيوان أو أسماء الأشخاص أو المعادن والخامات والثروات الطبيعية أو الجمادات (الهيولي) وغيرها من الأسباب، وإضافة صيغة الاسم السرياني والعربي والإنكليزي وفق نظام الرّومنة Romanization فضلًا عن الموقع الجغرافي ومصادر مياهها وشربها، والطرق الموصلة إليها وأقرب مدينة مشهورة إليها ونبذة تاريخية موجزة ومركزة عن أدوارها الحضارية وتاريخ استيطانها المتعاقب وغطائها النباتي وثروتها الحيوانية والطبيعية ومكونها السكاني والديني باختصار وأشهر مَعلَم عمراني وأهم ما تشتهر به من صناعات أو حرف أو بضائع أو تجارة على أن تكون المادة الموسوعية مركزة وعلمية ومفيدة وموحدة وفي غاية الإيجاز.
3- تشكل لجنة لاستقبال المواد المتضمنة ذكر المواضع الجغرافية على أن يثبت اسم كل كاتب ممن يمتلك تلك المعلومات المعرفية الموسوعية ولقبه العلمي ومحل عمله إحقاقًا للحق في الجمع والعائدية.
وكانت غايتنا من كل تلك المساعي والجهود هي الوصول إلى تحقيق أمنية وبلوغ هدف كنت أصبو إلى تحقيقه يومًا، وهي وضع معجم بلداني على غرار معجم البلدان لياقوت الحموي الذي ألّفه في العصور الوسيطة، إذ يعدّ أعظم سِفر جغرافي لَمّ فيه شتات 12.953 موضعًا جغرافيًا من بطون الكتب وأفواه من شاهدهم في رحلاته من سكان القرى والقصبات والبلدان التي زارها، فضلًا عن غيره من المؤلفات الأخرى.
وقبل الختام، أود القول إن مشروعًا ضخمًا كهذا، يحتاج إلى عمل شاق تكتنفه المشقات ودربه وعر المسالك وتعتريه تحديات عدّة، كما يتطلّب تخصيص أموال ومبالغ، فضلًا عن حاجته إلى مؤسسة ثقافية تتبنّاه وتُعنى وتضطلع بطبعه ونشره، لكي يرى النور ويصبح أمرًا واقعًا وشيئًا ملموسًا لكي ينتفع به الباحثون في مجال التاريخ والجغرافية والأدب والدين وغيرها من مناحي الحياة، وكذلك يفيد مراكز الأبحاث في التاريخ والتراث، فضلًا عن تعريف الناشئة والأجيال السريانية الحالية والتي لا تعرف شيئًا عن قِدَم وعظمة الأمة السريانية وتجذرها ووجودها التاريخي الأصيل في هذه المنطقة والضارب في عمق حضارة الشرق الأدنى القديم والشرق الأوسط الحالي.
وكأنموذج على إحدى الفقرات الموسوعية التي قمتُ بتحريرها، أورد هذه المادة البلدانية:
ܒܢܪܩܣ بانرقس:
الشواهد النصية: من قرى نينوى، ذكرها توما المرجي في كتابه السرياني (الرؤساء) بصيغة “ܒܝܬ ܢܪܩܘܣ بيث نرقوس” في معرض حديثه عن المدارس التي أسّسها ربان باباي وأسمائها، وكذلك جاء ذكرها في كتاب (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان) لبطرس نصري الكلداني ولم يتمكن محقق الكتاب الأول ومعربه الأب البير أبونا من تحديد موقعها في الوقت الحاضر(1905، ص85).
رأي في المطابقة: اِستنادًا إلى بقايا وصدى الاسم المحلي المنحول من الصيغة السريانية واعتمادًا على الواقع الجغرافي لمناطق مرج الموصل ܡܪܓܐ مَرگا وقراها الواردة في هذا النص التاريخي، ومن بينها هذه القرية، لا يراها الباحث إلا قرية (نرﮔزلية)، وهي من قرى عشيرة الحديديين وتقع إلى الشمال من محافظة نينوى وتتبع قضاء الشيخان (الكلداني، 1905، ص85) إشارة إلى بيت وموضع زهرة النرجس في اللغات الفارسية والسريانية والعربية والكوردية (حداد،2010، ص228).