اِنتشار المسيحية المشرقية في الحِيْرة والخليج العربي

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

بطريرك الكلدان

يشهد التاريخ بأن كنيسة المشرق قد قامت بنشاطٍ تبشيريٍّ منقطع النظير، اِمتد إلى الشَّرق الأقصى، من جزيرتي سومطرة وسريلانكا (سيلان سابقًا) وأفغانستان وسواحل الملابار الهندية والصين، إلى جانب شواطئ الجزيرة العربية، حيث أسَّست هناك أُسقفيات ورئاسات أُسقفيات.

كما انتشرت المسيحية المشرقيّة بين عدة قبائل عربية، من بينها قبائل اللَّخميين أو المناذرة في الحِيْرة، حيث أقامَ الفرس إمارة على الضفة اليمنى من نهر الفرات، لتكون همزة وصل بينهم وبين العرب، كما كان الرّومان قد أسَّسوا إمارة الغساسنة العربية في بلاد الشّام، للهدف نفسه.

عندما جاء العرب المسلمون في منتصف القرن السابع إلى بلدان الخليج وبلاد ما بين النهرين وإيران، كان غالبية السكان مسيحيين. وفي هذا السياق، يُبيّن الكاتب سليم مطر مدى تأثير اللّغة السريانية على العربية قائلًا: “اللغة العربية طوّرت نفسَها، وكوّنَت نَحْوَها من خلال تجربةِ اللّغة السريانية“1. قد يكون هذا التأثير قد حصل، حينما اعتنق قسمٌ من المسيحيين المشرقيين الإسلام، وأصبحوا موالين لإحدى القبائل العربية، أو لأحد القادة المسلمين الكبار.

الحِيْرة

يُقال إن الأسرى الرومان، الذين جلبهم هرمز الأول (272 – 273)م، هم الذين بشّروا تلك البلاد بالمسيحية. وفي القرن الخامس أصبحت الحِيْرة أبرشية مشرقية، ولها أُسقف اسمه هوشع، اِشترك في مجمع مار إسحق عام (410)م. بدأت المسيحية فيها تقوى على يد ملكها امرئ القيس الأول، ثم على عهد حفيده، النعمان بن المنذر، إذ غدت الحِيْرة من المراكز المهمّة في حركة التبشير بين القبائل العربية. وكان للمناذرة أثر كبير في بناء الديورة، ومنها على سبيل المثال: دير اللّج، دير مارت مريم، دير هند الكبرى، دير هند الصغرى، دير الجماجم ودير عبد المسيح.ويورد محمد سعيد الطريحي في كتابه ” الديارات والأمكنة النصرانية في الكوفة وضواحيها”، نحو أربعين ديرًا وكنيسة2، وقد دُفن عدد من بطاركة كنيسة المشرقفي الحِيْرة3. وإذ عانى المسيحيون كثيرًا من الظلم الفارسي، لذلك رحَّبوا بالقادمين الجدد، وتعاونوا معهم كأمر واقع (status quo) ودافعوا عن حقوقهم. وعندما تأسّست الكوفة بعد مجيء الإسلام، اِنتقل معظم مسيحيي الحِيْرة إلى بغداد وعملوا في الكتابة والترجمة والطب والتدريس، كحُنين بن إسحق وإسحق ابنه، وابن إصبغ العبادي. وقد حاول إيشوعياب الثالث (649-659)م إعادة المسيحيين الذين تحولوا مُكرَهين إلى الإسلام إلى ديانتهم الأولى، لكنه لم يفلح4.

قطر

كذلك نجد حضورا متميزا لكنيسة المشرق في قطر والبحر

قطريون مسيحيون مشرقيون مشاهير

شواطئ الجزيرة العربية 

كانت المسيحية قبيل مجيء الإسلام قد انتشرت جنوبًا في شبه الجزيرة العربية، وخصوصًا في بلدان الشاطئ الغربي: في قطر التي كانت تعرف بــ “بيت قطرايي ܒܝܬ ܩܛܪ̈ܝܐ”، وجزيرة البحرين المعروفة بــ “داراي ܕܐܪܝ”، وعُمان.

قطر

لقد أعطت جزيرة قطر شخصيّات كنسيّة بارزة مثل الروحاني داديشوع القطريّ والطقساني جبرائيل قطرايا وإبراهيم الملقب (بَر ليفي) و المفسّر أيوب قطرايا وإسحق النينوي5. يذكر  كتاب المجدل بأن البطريرك كوركيس الأول (660– 680)م اِلتقى بإسحق القطري (النينوي) خلال زيارته الراعوية لكنيسة قطر، وأُعجِب بذكائه وعمق روحانيته، فاصطحبه معه إلى بلاد ما بين النهرين، إلى دير بيت عابي، بالقرب من مدينة عقرة حيث سامه أُسقفًا لمدينة نينوى. وقد ألّف كتاب السيرة الكاملة عن الحياة الروحية، والذي  تُرجمَ بسرعة إلى لغات عديدة منها اليونانية والروسية والقبطية. وجدير بالذكر، أن قطر قد ورد ذكرها أيضًا في كتابات الملفان نرساي، إذ يهزأ بقسوة في أحد ميامره، من غرور الملك الفارسي فيروز، الذي هاجم “قطر” ومُنيَ بالهزيمة5.

البحرين

للبطريرك إيشوعياب الأول الأرزني (+ 599) رسالة راعوية شاملة موجَّهة إلى يعقوب أُسقف داراي (البحرين)6، جاءت جوابًا على رسالة يعقوب حول قضايا لاهوتية وروحية وطقسية وأخلاقية وقانونية بالغة الأهمية، لذا أُدرِجَت في مجموعة قوانين كنيسة المشرق. كما تذكر المصادر التاريخية قيام البطريرك كيوركيس الأول (660 – 680)م بزيارة راعوية لجزيرة قطر “بيت قطراي”. وكانت تضم آنذاك قطر والبحرين والإمارات. وقد عقدَ البطريرك كيوركيس مجمعًا سنة (676)م في تلك الجزيرة، حضره ستة أساقفة، ومنهم توما أُسقف قطر وإيشوعياب أُسقف  البحرين8.

كما تذكر بعض الكتب التاريخية أن الملك كسرى أنوشروان أرسل حزقيال إلى البحرين بحثًا عن اللآلئ، وقد أفلح في جلبها، مما وثَّق علاقته بالبلاط7.

الإمارات العربية

اُكتُشِف حديثًا دير تاريخيّ بجزيرة السينية بأم القيوين/ الإمارات العربية المتحدة ، شبيه بالدير المكتشف في بازيان/ السليمانية بالعراق ويحمل سمات واضحة لدير مشرقي.

اِستنادًا إلى ما تقدم، نقدر أن نُحدّدَ، جغرافيًّا، مواطن المشارقة كما يلي، شرقًا: بلاد فارس (إيران) ثم الهند والصين فيما بعد، غربًا: سواحل البحر الأبيض المتوسط، شمالًا: آسيا الصغرى (تركيا)، وجنوبًا: شبه الجزيرة العربية وبلدان الخليج وخصوصًا بلدان الشاطئ الغربي التي كانت تعرف ببيت قطرايي.

_________________

1 سليم مطر، الذات الجريحة، ط2 بيروت 2000 ص 39

2 محمد سعيد الطريحي، الديارات والأمكنة النصرانية في الكوفة وضواحيها، بيروت 1981 ص 80 -151

3 لويس ساكو، سِير بطاركة المشرق، بغداد ص ص38، 39 ، 44، 51، 53، 58، 73

4 سِير البطاركة، ص 97

5 ثقافة السريان ، نينا بيغو ليفسكايا ، ترجمة د. خلف الجراد 2010 ص 98 .

62 3 Chabot، Synodes Nestorians ، باريس 1902 ، ص 168-174

7 سِير البطاركة ص 50

8 سِير البطاركة ص 79

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap