بخديدا

تركت السماء في بخديدا بلا نظرتي

تركت نشيد الجسد على الطاولة

يانعًا أخضر يتمايل بغنج مثل ببغاء في قفص

لم يكن خرخاشة ضجيج بل فوضى لذيذة

وربما كبيضة أحبها مسلوقة كل صباح من غير

صفار

تركت أصابعي معها كأنها عش داهمه ظل

شيء

تركت أوتار أصابعي تعرقت بالطين في الماء

تركت السماء بلا نظرتي

وغرفة نومي بلا رماد ذكريات

كانت تقع مني تحت وسادتي

تركت التقويم بلا تاريخ شخصي

وعش سقوف كان يتدلى من فتحة الزقاق

بسبع عيون زرق هربت إلى جهة غير مسبوقة

تركت مئات السنين في كيس ورق عتيق

تركت المسامير تعلق دمى تلاميذ صغار

في ضمير من الجن يسقط أمام عيني

كنت أحتاج إلى سنوات أخرى

لأكمل مع شهرزاد سهرة بلا ظلام

في الضوء موت وانثيالات موسيقى تراب

يصبه الموتى لنا بقدح هياكلهم في المقبرة

تركت قوري الشاي بالهيل والينسون والأخضر

بالعشب

ورائحة القهوة المرة بالمسك والعنبر والمن

والسلوى

وكان ما زال ساخنًا يضحك من نافذة المطبخ

للشمس

وكان صديقي سارتر يشرب معي الكلام

والماء يعزف من غيمة خفيضة

كنت أراها قرب بيتي حين أنشد دجلة الخير

ممزوجًا بأنشودة المطر

وقربنا يجلس نديمًا في الليل كرسي فارغ

وهذيان امرأة كانت تلتهم قنينة زيتون

وتقشر الفستق

وتعدل من وضع مرآة مكسورة القلب

جلبتها من خرائب جمهورية أفلاطون

نطفئ شمع السهرة في فم أنكيدو

ونضحك على صاحبة الحانة شمخي

ونشاهد فلمًا عن حضارة المحبة أوروك

ومن تنور قرب عتبة الحوش

وفوق جرن من ماء عماذ ابن جاري

كانت فيروز تدندن بالسريانية

وتقبل خلسة غيمة فوق رأس ناقوس

صباح أحد فصح فات كأنه عيد صفح

ومثل علامة تعجب تأتي بالمقلوب

كان الأفق الأسود يأتي إليّ

وعكازة رامبو تلعب دولاب الهوا معي

وتأخذ بيدي إلى طابور سادس يهتف خلفي

لم ألمح قط في عقارب الساعة يومًا

تقويم حرب طمرت في ضمير منفصل

تاريخ آخر مُرُّ مرَّ بلفتة نوم

وكنت أجعده مثل ورقة مهملة

وأركله في جوف سلة مهملات حمراء

تركت كل سنتمتر من حياتي هناك

ولم أجلب معي إلا أشياء عادية تكفيني

بضعة عمر

لم أجلب إلا ما أتسلى به مثلً صابون حلاقة

ومحفظة فارغة

تشبه كليتة الجواهري وقامته التي تشبه

ألف العراق

وحقيبة مقعرة لا تسع إلا لقلم ودفتر

ملاحظات ونسخة واحدة من كتبي وملابس

تكفيني شدة أيام

ولم أكن أتوقع أن أسمع أبدًا إلى الوراء در

لأني تسرحت بكنية حمراء وعقوبة مخلّة

بالجسد

وكزبون عادي كنت أهرش الحشيش وأنظر

إلى الشاشات

ويناديني الضوء والفنجان أيضًا ولأول مرة

كان يصدق

حين تمشيت ذات قدم لا تقوى على النظر

إليّ من الملل

وأنا أتسوق بالرؤيا متعثرًّا بنظرة أورفيوس

وكوميديا دانتي

وكنت آمل أن أعثر على حياتي

مرَّ أكثر من ظلام على موت ذاكرتي

وحياتي تخرج من خرم إبرة

وتطعن كفارس شرقي مهزوم

وترغب في أضواء تحتاج إلى وقت للريافة

والتهذيب

مرَّ اكثر من إله وذهب إلى النوم

وأكثر من قمر وصغار جاري يتخاصمون

بين رائحة الكرفان والخبز البلدي من تنور

الطين

مرَّ أكثر من غيم صعد من خيمة تنام في عين

رجل

يسهر مبللً منديله بجوف يده كطائر

يحضن طفله الذي يجلس راكضًا خلف طائرة

ورقية

في الطريق إلى السماء

ويهز غصن شجرة تظلل جوف خيمة ترفع

ثقوبها إلى القمر

مرَّ أبسو حاملً التلاميذ بعربته المبللة إلى

المدرسة

ومرَّ أكثر من خوف وشمس وثلج

وأدفأ من ذراع وذراع

وتفتحت من ابتسامتنا أكثر من زنبقة ومحار

ولأننا لم ننس نشيد الحب على الطاولة

وأصوات نواقيس البلدة السبعة

وتاريخنا الشخصي من عتبة البيت

إلى عتبة الكنيسة

ولأننا ندخل كل ليلة إلى مذود مضاء بوحدتنا

ينظر إلينا الرب ونحن نترك أقدامنا هناك

بكل أنواعها تتقوس أمام تمثال العذراء

ونلبس حبات شموع صلاتنا ونضع النار فوقها

ونرتل إيشوع ومريم ساكن فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap