زهير … يا زهر الحياتين

هيثم بهنام بردى

قاص وروائي وكاتب عراقي

(نص التعليق الذي كتبه القاص والروائي هيثم بهنام بردى، على الفلم الوثائقي الذي أنتجته المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية وعُرِضَ في الحفل التأبيني الذي أقامته يوم 6 حزيران 2022 بعنكاوا، وكان بعنوان (من سيكون هنا معي بعدك): فكرة وإعداد: بطرس نباتي، كتابة النص: هيثم بردى، قراءة النص: شمعون متي وإخراج: ليث بنيامين عن حياة الراحل وأبرز إسهاماته الشعرية وكيف وظّف موهبته الشعرية باللغة العربية ليفتح آفاقٌا جديدة أمام الثقافة السريانية وليكون سفيرها لدى الثقافتين العراقية والعربية).

ورد معنى زهير في حواضر المعاجم العربية هكذا: اِسم زُهير هو اسم مذكّر من أصلٍ عربيّ، وينطق باللغة العربية بفتح حرف الهاء، زُهَير، وهو تصغير كلمة زهر، والزهر معناه نَور من الشجر المفتّح حديثًا، أيْ الزهر الذي ينبت على النبات الحديث النمو في الربيع.

ماذا يمكن أن يقول هيثم عنك، هيثم شقيقك الذي رافقك منذ الطفولة والصبا والشباب وحتى الكهولة… وإلى أبد الآبدين.

يقول هيثم: وبعد يا زهر شجرة آل بردى الوارفة… لم تشأ أن تكون حدود عطاء نورك فيما بيننا نحن عائلتك وإخوتك وأعمامك وأبناء عمومتك، بل آثرت أن تكون نوراً معلّقاً كقنديل في فضاء الإبداع والمعرفة بكل مضانها، فكنت وتكون إلى الأبد زهراً شاملاً وزهيراً أشمل تشرق سيماؤك المؤتلقة بالنور البارق الوضاء، لا ينير العتمات حسب بل ينير النور نفسه، ودليلنا على هذا قصائدك المرنقة في فضاءات الإبداع كالحمائم البيض التي تنوس في مراتع حياتنا وحياة الآخرين، وأنت أيها الزهر المضاء أضأت فضاءات الإبداع العراقي والعربي بفيض ما فاضت به قريحتك الشعرية النادرة، فكانت أشعارك وقصائدك كرات من بلور تتعالق وتتقاطر وتتلاحق وهي تتسربل بالنور، تتألق في أبصارنا وبصائرنا وفي أفنية وأفنان وأفياء أرواحنا، فلن تغيب قط هذه العطايا الباذخة النيّرة في أعطافنا حتى وإن غبت عنا كجسد، ولكنك ستبقى وإلى الأبد عليقة من نور ونار في حشية أشجار أرواحنا، لا يدخل حناياها إلاّ المعمّدون بالحياة والتسرمد والانبعاث… وتركت لنا وأنت تلّوح بيدك التي لا تشبهها يد، ويراعك الذي لا ينضب مداده، وقرطاسك الذي لا حدّ لمداه المزدهي وهو يضيء بروح كلماتك الوضاءة، كلّ هذا البهاء. فلا عجب أن يكون حالنا نحن الذين نتدله محبة بك حال يوليسوس وهي يخوض الصعاب والمحال والموت من أجل الوصول إلى (إيثاكا)..ك، لنجد بينولوبي الشعر وهي تحوك بنول الصبر والسلوى والأمل خيوط الرجاء كي تكتمل السجادة على هيئة فضاء يغرق في العتمة الساجية كي يأتي «زهير/ يوليسيوس » ويكتب بمداد المطاولة ملحمته الزهيرية السرمدية الخالدة.

يا زهير… يا صنو الليالي التي تفضي إلى نهارات تشيد صلصالها أناملك المبدعة لترسم خط مداد يفضي إلى كل ما هو ساحر،  ضحكاتك البريئة براءة الأطفال، تجعل فضاء أيامك وأيامنا يعرف معنى البياض اللدن الذي يتدفق كسيل من مياه الينابيع البكر إلى أعماق الخلائق فيتشرّب كل ما هو حولك بتفاصيل حيوات تحدّث عنها المنظرون والفلاسفة كحلم قصيّ ولكنه تجسد في روحك الأثيلة يا زهر الفضاءات البكر….

وكديدننا دوماً، نحاول عندما يتنكب الأحبة عربة إيليا النارية وتنطلق محلقة نحو الفراديس، وحين اقتفيت يا زهير خطى سلفك الذي آثر أن تكون بداية حياته الأخرة المغسولة بأجواء الفراديس القشيبة، لم تستقل عربة مجببة بالنار بل استقللت ناراً مقدسة طهوراً بهيئة عربة وارتقيت إلى جنان الخلود السماوي بعد أن رسمت لنفسك منذ ولادتك بتاريخ 16 / 6 / 1952 في مدينة الآلهة الآشورية الأربعة، ودشنت أولى خطاك وأنت تتوقل الشارع الاسفلتي نحو رحاب قلعتها العتيدة وهي تتسربل بتاريخها الموغل في العراقة معانقة شعفة السماء، ومنذ تلقيك الحرف الأول باللغة الكوردية كون الوالد يسكن في مدينة الآلهة السرمدية الأربعة «أربيل » كموظف في البنك العثماني الذي يربض في فم شارع المظفرية الزاهر، ومن ثم انتقال الأسرة إلى بغديدتنا العريقة الأثيلة نظراً لانتقال الوالد وظيفياً إلى مصرف الرافدين بالموصل، حيث أضيفت إلى ذائقتك اللغة العربية فضلاً على اللغتين الكوردية التي تعلمتها وأديت الامتحان الوزاري بها وتخرجت في السادس الابتدائي منها في مدينة أربيل العام 1966 ، فضلاً على اللغة السريانية التي علّمك إياها الوالد والوالدة، فأحببت اللغة الجديدة العربية، ورويداً رويداً وخلال فترة قياسية أتقتنها وبجدارة تفوقت بها على أقرانك في المتوسطة من خلال مواظبتك على نهل فيض المعرفة من خلال الكنز الذي ابتناه مدّرس اللغة العربية الشاعر الشاب حينذاك إبان مستهل سبعينيات القرن الفائت الأستاذ معد الجبوري. فكانت ذائقة زهير المتفتحة كالزهر تفيض من نور شجرة المعرفة كل ثمر معرفي بكر فتفتقت ذاكرتك وذائقتك وانفتحت على ممالك القصيدة، فكتبت شعر التفعيلة ونشرت محاولاتك الأولى في صحيفة «الرسالة » التي كانت تصدر في الموصل مستهل العام 1972 ، ثم واصلت الكتابة والنشر والمشاركة في المهرجانات والملتقيات والندوات داخل وخارج العراق طيلة أربعة عقود ونيف، تسبقك شهرتك التي شيدتها لبِنة لبِنة بالجهد والمثابرة والتجدد في كتابة قصيدة التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر وأدب الطفل، إضافة إلى تجربة عريضة في الصحافة والإعلام، فكنت وستكون أحد الشعراء البارزين على مستوى العراق والوطن العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap