شخصيات تاريخية سريانية ذات أصول تكريتية في سِفر حَمَلة مشعل المسيحية

إبراهيم فاضل الناصري

عضو الاتحاد الدولي للمؤرخين

إن الشعوب ذات العظمة، وإن الأُمم ذات الرُّقي، وإن المجتمعات ذات الصيت إنما هي تلك التي تنجب أو تخلق الرموز الأفذاذ العظماء، ثم تمتلكهم وتفخر وتتباهى بهم وبمنجزاتهم، مثلما تُعنى وتهتم بتراثهم، وبأدوارهم وأخبارهم وآثارهم.

لذا صارت مهمة تدوين وتبيين تراجمهم وسيرهم عبر الأجيال من أنفس الذخائر ذات الكمال التي تدَّخَر ومن أعزّ الأعمال الفضيلة التي يحفظها سجل الأبطال الأذفر ومن الأمور التي تثير العزم بأهل الهمم وحملة القيم للاقتداء بمآثرهم ومفاخرهم والسير على خطى مناهجهم وتقاليدهم.

ويقينًا إن كل من سبر التاريخ وكل من طالع الموروث لسوف يرى كيف أن جميع الفئات والطوائف، على اختلاف عناوينها ومشاربها وتنوع مطالبها ومضاربها، قد جمعت سير شخصياتها الفذة في قراطيس أو في طوامير تحيي بها أمرهم وتخلد فيها ذكرهم. وهكذا هو حال أُمة المسيحيين في أعالي عراق النهرين حيث ما فتئ يتباهى بزهوٍ برموزه المخلصين. وإننا هنا في هذا المقال سنسلط الضوء على قبس معتبر منه ومفاده رموز مسيحية سريانية ذات أصول تكريتية:

اِبن يشوع: وهو الزعيم إبراهيم بن يشوع الغساني الأصل، التكريتي المولد، الذي جاءت الإشارة إليه في بعض مضان السريان العتيقة، كونه رئيس تكريت وحاكم قلعتها وزعيم مجتمعها وحامي ذمارها إبان منتصف القرن السابع الميلادي، كما وجاء الحديث عن شخصيته الشهيرة والكبيرة بالقول: «إنه رجل جليل ميمون النقيبة ماجد الأعراق من أهل الإصلاح كان معوانًا على المساعي الحِسان وكان حكيمًا ويحرّض ويحرص على حفظ الأوامر في التعامل، وقد جلت في الملّة غيرته وشملت الخلق محبته، فقد كان يتعهد الناس ببشره ويتناولهم ببرّه حتى عمت منافعه وطابت مرافده فاحتذى بمن سبقه

من البناة وأنشأ الكثير من شواخص العمران المدني بتكريت وضواحيها وتدفقت يداه بالأفضال عليها وانتشر إحسانه فيها. وإن

كان فوق ذلك يفرد لبعض أهل العلم بهباته ويتعهدهم بصنوف الكرامة ». بهكذا قول صورت بعض المضان شكل الرئيس إبراهيم بن يشوع، وهكذا إذا هي حقيقته بلا فخفخة او أسطرة. ثم هكذا كان قد بات مقدرًّا له أن يشهد في نهاية عهده حدثًا تاريخيًّا مهمًّا. إذ قد مكنت له المقادير أن يشهد فترة التحوّل العقيدي لتكريت، أي أن يعاصر انتقالتها الثقافية من المسيحية إلى الإسلام

والتي كان الخيط الفاصل لها هو يوم 1حزيران من عام 637 ميلادي الموافق ل 2 جمادى الأولى من عام 16 هجري. أما عن نهاية حياة هذا الرجل فقد جاء عنه بما مفاده : لقد بقي الزعيم إبراهيم بن يشوع في تكريت بعد فتحها في 16 هجري فلم يغادرها وعاصر فيما بقي من حياته عهود الخلفاء الثلاثة: عمر وعثمان وعلي، إذ كانت وفاته في السنين الأخيرة من حكم الخليفة علي.

ماروثا المفريان: ولد القديس ماروثا في قرية شوزرق من بلد بانوهدرا ويقال لها اليوم دهوك، من أبوين صالحين تقيين غنيين، وكان والده رئيسًا ومديرًا لقريته، وكان ماروثا أحد كبار الأحبار وأفاضل الأبرار، من حسنات الزمان وأعيان السريان، الذي ألبس بلاد الشرق حلّةً من المجد قشيبة وعقد على هامة كنيستها تاج الشرف اللامع. ولما ترعرع، دخل دير مار صموئيل الجبلي المجاور لقريته فتخرج راضعًا لِبان المعرفة والأدب فاتحًا بصيرته على ضياء الكتب الإلهية.

وكان الله قد خصّه بنعمة الذكاء والنجابة فحظي بذلك لدى معلميه، فضلً عن وداعته وحسن شمائله وانصرافه بكليته إلى العلم

ثم انتقل إلى المدارس التي كانت قد أُنشأت حينها في تلك الجهات. ولما انتهى منها ولج في الحياة النسكية فلما تلألأت فضيلته

واشتهر علمه أُقيم أستاذًا ومفسِّرًا. ولما كانت نفسه النزاعة إلى الارتشاف من مناهل علماء يتوجب الاستزادة منهم، خرج في طلب العلم وقصد الرقة وأقام فيها عشر سنين ينظر في كتب الملافنة حتى تعمق في الحكمة وتفسير العلوم البيعية ثم توجه إلى

المناسك المجاورة لمدينة الرها المباركة حيث اعتكف وانصبّ على صنعة الخط التي نال فيها القدح المعلى، كما تشهد

مخطوطاته. ثم صار إلى بعض القديسين وأخذ عنهم فلما هبت ريحه وبعد صيته اختير ليكون أُسقفًا على أبرشية بانوهدرا، لكنه أبى زهدًا واتضاعًا فعاد إلى وطنه ليزرع فيه العلم وينفع به ذويه. فجاء إلى دير مار متي ودرَّس رهبانه العلوم اللاهوتية وتفسير كتب الملافنة ووضع لهم رسومًا وقوانين بيعية، نافعة ثم وقع إلى دير شيرين في المدائن فشارك في إصلاح حالهم ورتب لهم قوانين ونواميس مقدسة وحثهم على قراءة الكتب. وفي سنة 629 م حصل أن توحدت الكنيسة المنوفيستية في عموم

الشرق، الحال الذي قدر أن يرسم مار ماروثا رئيس كهنةٍ لتكريت ومن ثم يتقلد المطرانية اليعقوبية أي السلطان على كافة أساقفة بلاد المشرق وكنائسها، إذ ترتبت تحت قيادته أو ولايته في تكريت اثنتا عشرة أبرشية. فباشر في مهمته ودشن كرسيه الرسولي في تكريت وزينه بالعلوم الصحيحة والنواميس المقدسة ثم بات يسوس رعيته بسيرته الفاضلة وسياسته الرشيدة وعلوه الشهير ونشاطه في خدمة الرئاسة ونمت بذوره الصالحة التي زرعها في تربة القلوب الطيبة وجاءت بالثمار المطلوبة. قال مار دنحا المفريان تلميذه وخليفته وكاتب سيرته: إن النظام البديع والترتيب الحسن .. كل هذه المحاسن الشائقة ترجع إلى فضل مار ماروثا ومساعيه الحسان كما يعود إليه الفضل في صيرورة تكريت عاصمةً وأُمًّا لكنائس المشرق، وفيها كان يجتمع الأساقفة والآباء فينزلون من أهلها أكرم منزلة. وبعد أن تولى كرسيه عشرين سنة، انتقل إلى جوار ربه شيخًا كبيرًا

يناهز الثمانين وذلك في أيار سنة 649 م ودفن في البيعة الكبرى التي بناها في القلعة.

أما مصنفاته فهي تفسيره للأناجيل وليتورجية القداس ورسالة إلى البطريرك أبي السدرات وتراجم لبعض الأعياد السيدية

منها ترجام للأحد الجديد ومقتطف من كتب آباء البيعة. ولقد جاء عنه في تاريخ ابن العبري: إنه عضد المسلمين في فتحهم من

خلال فتحه لجيوش المسلمين قلعة تكريت وبهذا أدى دورًا مهما في فتح المسلمين لتكريت ورحب بقدومهم.

ماروثا الرئيس: وهو ماروثا بن حبيب التكريتي، وكان من أعيان السريان الذين علت مرافدهم. هاجر إلى ديار مصر وسكنها

ثم أصبح كاتبًا لأمير مصر في أوائل القرن الثامن الميلادي. وكان له من النفوذ والشأن والأمر في ديار مصر. كما وكان تاجرًا كبيرًا حتى أنه أضحى رئيسًا للتجار، ولهذا نعت بالرئيس الكبير، وهو يعد أول من سعى إلى تملك دير السريان الكبير بصعيد مصر وجعله وقفًا لرهطه من السريان المشارقة ومنهم أهله التكارتة، وكان ذلك في نحو سنة 720 م.

شربِل المفريان: وُلد شربل في نرسباد وهي قرية كانت بتكريت في الساحل الشرقي منها، وعندما كبر وبلغ من العلم

الإيماني مبلغ التمكين ما وصل صيته إلى أهل الحل والعقد من القديسين، نصبهُ قرياقس البطريرك مفريانًا على كرسي

تكريت الرسولي. ولكنه ما كاد يستقر في أبرشيته حتى ناهضه أسقف كرمي فتخوّف المفريان وانهزم إلى قريته وانزوى في

إحدى صوامعها وكتب صكّ استقالته وأوفدهُ إلى الأساقفة.

قرياقس البطريرك: واسمه قرياقوس التكريتي، ويعد من أفضل الأحبار الأنطاكيين سيرة وورعًا وعلمًا وفقهًا، وهو تكريتي

المنبت والمنشأ، ولد في تكريت في منتصف القرن الثامن ثم لما شبّ هاجر إلى دير العمود بالقرب من الرقة وتهذب وترهب فيه حيث تخرج في العلوم اللاهوتية وأصاب منها حظًا وافرًا. وجلت فضائله وكثرت محاسنه فاختاره المجمع المقدّس بطريركًا للكرسي الرسولي وسيم سنة 793 م وعقد خمسة مجامع في كورة قنسرين وفي بيت جبرين وفي حران وفي الموصل ودبّر الكرسي الرسولي في أنطاكية مدة أربعًا وعشرين سنة كانت مليئة بالمتاعب. إذ تجرع في سبيل الإصلاح غصصًا ومرائر، بيد أنه كان ذا نفسية قوية جبارة متوثبة فتغلب على الشدائد بشجاعته الروحية، وساس الكنيسة بحكمة ثاقبة وإدارة رشيدة سديدة وقد رسم خلال مدة حبريته ستة وثمانين مطرانًا واسقفًا، أدرج ميخائيل أسماءهم في تاريخه الكبير. وتوفي في الموصل في 16 آب سنة 817 م ومنها نقل إلى تكريت، محل ولادته وبلدة أهله، ودفن بها ، تاركًا مجموعة نفيسة من لمؤلفات فقد وضع مصنفًا في التعليم اللاهوتي وأنشأ كتاب رسائل وكتب أيضًا عشرة جوابات على مسائل لاهوتية وسنّ اثنين وسبعين قانونًا نشرها برسالة ما زالت محفوظة في الفاتيكان وباريس ولندن، كما وضع كتابًا يتلوه المرشحون لرئاسة الكهنوت قبل رسامتهم يقع في ست صفحات كبيرة وله أيضًا ثلاث خطب بليغة وله أيضًا ليتورجية.

ثاودوسيوس البطريرك: وهو ذاته رومانوس الطبيب، التكريتي الأصل والمولد، المشهور ب)ثاودوسيوس( الذي ولد في

تكريت في النصف الأول من المائة التاسعة. ترهّب وقرأ العلم في دير قرتمين او قرطامين شرقي طور عابدين في ضواحي مذيات. كان متين الإنشاء بالسريانية، تعلم اليونانية ودرس علم الطب وحذق فيه فعدّ من مهرة الأطباء. رسم بطريركًا للكرسي الأنطاكي عام 887 م ورحل إلى جوار ربه في سنة 896 م.

له من التأليف كناش نفيس في الطب وكتاب شرح لتفسير إيرثاوس المنحول ورسالة في حكم الفلاسفة الرمزية وجاء

عنه في بعض المصادر كونه من الحكماء الرياضيين ولقد كان ذا شهرة استحقها عن جدارة وله تصانيف في الرياضيات والهندسة.

توما المفريان: وهو توما الثاني التكريتي الذي ولد في تكريت ثم ما فتئ أن هاجر إلى الرها فأضحى من تكارتة الرها، حيث صار يقيم في دير مار سويريوس في جبل الرها لأجل التنسك، ثم ما برح أن رسم من قبل البطريرك الرسولي الأنطاكي ليكون مطرانًا )مفريانًا) لكرسي المشرق السرياني، والذي كان مقره في تكريت. فشدّ رحاله إليها، ولقد بقي في خدمة كرسيها المفرياني مدة 13 عامًا حتى توفي ودفن في تكريت في سنة 1158 يولياني الموافق 847 م.

أثناسيوس الأول: واسمه الحقيقي سركيس التكريتي، ولد في تكريت وعندما شبّ هاجر إلى دير مار سويريوس بجبل الرها

وتلقى العلوم وترهب فيه وعندما سطع سعده استدعاه البطريرك الرسولي رومانوس التكريتي إلى آمد ورسمه ليكون مفريانا

لكرسي تكريت في سنة 1198 يولياني فشد رحاله إلى تكريت من الرها لتسنم رئاسة كنيستها ثم بعد خدمة 17 سنة في تكريت

توفي ودفن فيها سنة 1215 يولياني.

شمعون المفريان: هو شمعون ابن عمرايا التكريتي الأصل. الذي تعلم وترهب في دير العمود ثم تتلمذ للبطريرك قرياقس التكريتي، فرسمه مفريانًا مطرافوليطًا لكرسي تكريت سنة 806 م ثم أُقيل منه في حدود سنة 813 م ولقد كانت وفاته سنة 815 م.

مار سرجيس: تزهد في دير علوك وهو من الأديرة التي كانت تتباهى بها تكريت، ثم ارتقى إلى دفة المفريانية في بيعة

التكريتيين التي في الرقة في سنة 872 م ولما عاد إلى أبرشيته في تكريت تحزّب لأيشع وبرحَد بشبا الأسقفين اللذين رسمهما

أساقفة المشرق فضغن عليهِ التكريتيون وأبطلوا اسمه من الذبتخا. ولقد مات في تشرين الثاني 883 بعد ان خدم الكنيسة

الشرقية التي كرسيها تكريت إحدى عشرة سنة.

الكاهن قرياقوس: وأصل اسمه حوران وهو من تكارتة نصيبين، وكان كاهنًا لكنيسة التكارتة فيها. استدعاه البطريرك الأنطاكي

وارتسمه مفريانًا لكنيسة المشرق التي مقرها تكريت في عام 351 هجري. فشد رحاله إلى تكريت العراق، بلد أجداده ليتولى

المنصب فيها وبعد خدمة 18 سنة توفي في سنة 369 هجرية ودفن بأهم كنائسها.

يوحنا المفريان: وهو من التكريتيين الساكنين في دمشق واسمه دينار بن يشوع، ولقد كان في مبتدأ عمره الكنسي شماسًا

فاستدعي في سنة 371 هجرية إلى بلدة مرعش ورسم مفريانًا لكنيسة المشرق التي مقرها تكريت، فشد الرحال إليها، ولقد قدر

له أن يخدم فيها مدة ست سنوات حيث توفي فيها في عام 1299 يولياني ودفن في إحدى كنائسها العتيقة.

مار يوحنا الثالث: تكريتي من أصل سرياني، ولد في تكريت ثم رحل مع والديه إلى دمشق واستوطنوها. وفي سنة 981 م

استدعي إلى بلدة مرعش من قبل البطريرك الرسولي وقتها ورسم مفريانًا لكرسي تكريت السرياني، فشدّ رحاله عائدًا إلى

تكريت، فساس منصبه بهدوء وسكينة وخدم المفريانية بنزاهة حتى عام 988 م حيث توفي.

اِبن قيقي المفريان: (بار قيقي) أصل اسمه اغناطيوس، بيد أنه صار يعرف بابن قيقي، من أصول سريانية تكريتية، لكنه وُلد في الموصل وعندما كبر وازداد فضيلةً، تولى خدمة كنيسة التكريتيين في الموصل وبعد حين من العطاء رقّاه إلى مفريانية تكريت البطريرك أثناسيوس الخامس ( 1003 – 987 م( وهو في دير البارود في 19 شباط 991 م ثم عارضه حادث وهو في الدير بيد أنه بعد انجلاء هذا الحادث رحل إلى تكريت وواصل رعاية أبرشيته خمساً وعشرين سنة ورسم أربعة عشر أسقفاً.

الاسعد ابن العميد: هو إبراهيم الملقب بالأسعد اِبن العميد أبي الياسر التكريتي شقيق الشيخ المكين ابن العميد عاش في مصر وعاصر نهايات الخلافة الفاطمية وبدايات السلطنة الأيوبية، أديب أريب حسن الخط قويم اللغة. أصبح كاتب الجيوش في عهد الملك العادل الأيوبي.

المراجع المعتمدة

1. إسحق أرملة ،أنباء الزمان في جثالقة المشرق ومفارنة السريان. بيروت، 1924

2. اغناطيوس أفرام الأول، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية. حلب 1956 م.

3. إغناطيوس أفرام الأول، لمعة في تاريخ الأمة السريانية في العراق. القدس، 1936 م.

4. اِبن العبري، غريغوريوس، التاريخ الكنسي، تعريب، صليبا شمعون، دهوك، 2012 م.

5. بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تواريخ المغاربة والمشارقة السريان، الموصل 1905 م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via
Copy link
Powered by Social Snap